كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويؤيده ما رواه أبو داود بإسناد صحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب»، وقال: إن جاء يطلب ثمن الكلب، فاملأ كفه ترابًا.
قال النووي في شرح المهذب:، وابن حجر في الفتح: إسناده صحيح، وروى أبو داود أيضًا من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «لا يحل ثمن الكلب، ولا حلوان الكاهن، ولا مهر البغي» قال ابن حجر في الفتح: إسناده حسن، وقال النووي في شرح المهذب: إسناده حسن صحيح.
وإذا حققت ذلك، فاعلم أن القول بمنع بيع الكلب الذي ذكرنا أنه هو الحق. عام في المأذون في اتخاذه وغيره لعموم الأدلة، وممن قال بذلك: أبو هريرة، والحسن البصري، والأوزاعي، وربيعة، والحكم، وحماد، والشافعي، وأحمد، وداود، وابن المنذر وغيرهم، وهو المشهور الصحيح من مذهب مالك. خلافًا لما ذكره القرطبي في (المفهم) من أن مشهور مذهبه الكراهة، وروي عن مالك أيضًا جواز بيع كلب الصيد. ونحوه دون الذي لم يؤذن في اتخاذه، وهو قول سحنون. لأنه قال: ابيع كلب الصيد وأحج بثمنه.
وأجاز بيعه أبو حنيفة مطلقًا إن كانت فيه منفعة من صيد، أو حراسة لماشية مثلا، وحكى نحوه ابن المنذر عن جابر، وعطاء، والنخعي قاله النووي.
وإن قتل الكلب المأذون فيه ككلب الصيد، ففيه القيمة عند مالك، ولا شيء فيه عند أحمد والشافعي، وأوجبها فيه أبو حنيفة مطلقًا إن كانت فيه منفعة.
وحجة من قال لا قيمة فيه: أن القيمة ثمن والنص الصحيح نهى عن ثمن الكلب، وجاء فيه التصريح بأن طالبه تملأ كفه ترابًا، وذلك أبلغ عبارة في المنع منه.
واحتج من أوجبها بأنه فوت منفعة جائزة فعليه غرمها.
واحتج من أجاز بيع الكلب، وألزم قيمته إن قتل بما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «نهى عن ثمن الكلب إلا كلب صيد»، وعن عمر رضي الله عنه أنه غرم رجلًا عن كلب قتله عشرين بعيرًا وعن عبد الله ابن عمرو بن العاص أنه قضى في كلب صيد قتله رجل بأربعين درهمًا، وقضى في كلب ماشية بكبش.
واحتجوا أيضًا بأن الكلب المأذون فيه تجوز الوصية به والانتفاع به فأشبه الحمار.
وأجاب الجمهور بأن الأحاديث والآثار المروية في جواز بيع كلب الصيد ولزوم قيمته كلها ضعيفة:
قال النووي في شرح المهذب ما نصه وأما الجواب عما احتجوا به من الأحاديث والآثار فكلها ضعيفة باتفاق المحدثين، وهكذا أوضح الترمذي والدارقطني والبيهقي ضعفها، والاحتجاج بجواز الوصية به وشبهه بالحمار مردود بالنصوص الصحيحة المصرحة بعدم حلية ثمنه، وما ذكره ابن عاصم المالكي في تحفته من قوله:
واتفقوا أن كلاب البادية ** يجوز بيعها ككلب الماشية

فقد رده عليه رحمه الله علماء المالكية، وقد قدمنا أنه قول سحنون.
واعلم أن ما روي عن جابر وابن عمر مرفوعًا مما يدل على جواز بيع كلب الصيد كله ضعيف كما بين تضعيفه ابن حجر في فتح الباري في باب ثمن الكلب.
قال القرطبي: وقد زعم ناس أنه لم يكن في العرب من يأكل لحم الكلب إلا قوم من فقعس.
ومن ذلك القرد: فإنه لا يجوز أكله، قال القرطبي في تفسيره: قال أبو عمر يعني ابن عبد البر: أجمع المسلمون على أنه لا يجوز أكل القرد لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكله، ولا يجوز بيعه لأنه لا منفعة فيه.
قال: وما علمت أحدًا رخص في أكله إلا ما ذكره عبد الرزاق عن معمر عن أيوب سئل مجاهد عن أكل القرد فقال: ليس من بهيمة الأنعام. قلت: ذكر ابن المنذر أنه قال: روينا عن عطاء أنه سئل عن القرد يقتل في الحرم. قال: يحكم به ذوا عدل. قال: فعلى مذهب عطاء يجوز أكل لحمه لأن الجزاء لا يجب على من قتل غير الصيد، وفي بحر المذهب للروياني على مذهب الشافعي.
وقال الشافعي: يجوز بيع القرد لأنه يعلم وينتفع به لحفظ المتاع. اهـ.
وقال النووي في شرح المهذب: القرد حرام عندنا، وبه قال عطاء وعكرمة ومجاهد، ومكحول والحسن وابن حبيب المالكي.
وقال ابن قدامة في المغني: وقال ابن عبد البر: لا أعلم بين علماء المسلمين خلافًا أن القرد لا يؤكل ولا يجوز بيعه، وروي عن الشعبي: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «نهى عن لحم القرد»، ولأنه سبع، فيدخل في عموم الخبر، ولأنه مسخ ايضًا فيكون من الخبائث المحرمة.
وقد قدمنا جزم ابن حبيب، وابن عبد البر من المالكية: بأنه حرام، وقال الباجي: الأظهر عندي من مذهب مالك وأصحابه. أنه ليس بحرام.
ومن ذلك الفيل: فالظاهر فيه أنه من ذوات الناب من السباع، وقد قدمنا أن التحقيق فيها التحريم لثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مذهب الجمهور.
وممن صححه من المالكية: ابن عبد البر والقرطبي.
وقال بعض المالكية كراهته أخف من كراهة السبع، وأباحه أشهب، وعن مالك في المدونة كراهة الانتفاع بالعاج: وهو سن الفيل.
وقال ابن قدامة في المغني: والفيل محرم. قال أحمد: ليس هو من أطعمة المسلمين، وقال الحسن: هو مسخ وكرهه أبو حنيفة، والشافعي، ورخص في أكله الشعبي، ولنا نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع، وهو من أعظمها نابًا، ولأنه مستخبث فيدخل في عموم الآية المحرمة للخبائث اهـ.
وقال النووي في شرح المهذب: الفيل حرام عندنا، وعند أبي حنيفة والكوفيين، والحسن. وأباحه الشعبي، وابن شهاب، ومالك في رواية.
وحجة الأولين أنه ذو ناب اهز.
ومن ذلك الهر، والثعلب، والدب: فهي عند مالك من ذوات الناب من السباع. وعنه رواية أخرى أنها مكروهة كراهة تنزيه، ولا تحريم فيها قولًا واحدًا. والهر الأهلي والوحشي عنده سواء.
وفرق بينهما غيره من الأئمة كالشافعي وأحمد وأبي حنيفة: فمنعوا الأهلي.
قال ابن قدامة في المغني: فأما الأهلي فمحرم في قول إمامنا ومالك وأبي حنيفة والشافعي.
وقد روي عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل الهر، وقال ابن قدامة في المغني أيضًا:
واختلفت الرواية في الثعلب: فأكثر الروايات عن أحمد تحريمه. وهذا قول أبي هريرة ومالك وأبي حنيفة لأنه سبع، فيدخل في عموم النهي، ونقل عن أحمد إباحته، واختاره الشريف أبو جعفر، ورخص فيه عطاء وطاوس وقتادة والليث، وسفيان بن عيينة والشافعي، لأنه يفدى في الإحرام والحرم إلى أن قالك واختلفت الرواية عن أحمد في سنور البر، والقول فيه كالقول في الثعلب.
وحكى النووي: اتفاق الشافعية على إباحة الثعلب. وقال صاحب (المهذب): وفي سنور الوحش وجهان:
أحدهما: لا يحل. لأنه يضطاد بنابه فلم يحل كالأسد والفهد.
والثاني: يحل. لأنه حيوان ينتوع إلى حيوان وحشي وأهلي، فيحرم الأهلي منه، ويحل الوحشي كالحمار.
وأما الدب: فهو سبع ذو ناب عند مالك والشافعي، وأصحاب أبي حنيفة. وقال أحمد: إن كان الدب ذا ناب منع أكله، وإن لم يكن ذا ناب فلا بأس بأكله.
واختلف العلماء في جواز أكل الضبع: وهو عند مالك كالثعلب. وقد قدمنا عنه أنه سبع في رواية، وفي أخرى أنه مكروه، ولا قول فيه بالتحريم، والأحاديث التي قدمناها في سورة المائدة بأن الضبع صيد تدل على إباحة أكلها، وروي عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يأكل الضباع. قاله القرطبي، ورخص في أكلها الشافعي وغيره، وقال البيهقي في السنن الكبرى: قال الشافعي: وما يباع لحم الضباع بمكة إلا بين الصفا والمروة.
وحجة مالك في مشهور مذهبه: أن الضبع من جملة السباع، فيدخل في عموم النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع، ولم يخص سبعاص منها عن سبع، قال القرطبي: وليس حديث الضبع الذي خرجه النسائي في إباحة أكلها مما يعارض به حديث النهي: لأنه حديث انفرد به عبد الرحمن بن أبي عمار، وليس مشهورًا بنقل العلم ولا ممن يحتج به إذا خالفه من هو أثبت منه.
قال أبو عمر: وقد روي النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع من طرق متواترة، روى ذلك جماعة من الأئمة الثقات الأثبات، ومحال أن يعارضوا بمثل حديث ابن أبي عمار اهـ.
قال مقيده- عفا الله عنه- للمخالف أن يقول أحاديث النهي عامة في كل ذي ناب من السباع، ودليل غباحة الضبع خاص، ولا يتعارض عام وخاص: لأن الخاص يقضي على العام فيخصص عمومه به كما هو مقرر في الأصول.
ومن ذلك القنفذ: فقد قال بعض العلماء بتحريمه، وهو مذهب الإمام أحمد، وأبي هريرة، وأجاز أكله الجمهور. منهم مالك والشافعي والليث وأبو ثور وغيرهم.
واحتج من منعه بما رواه أبو داود والبيهقي عن أبي هريرة أنه قال: ذكر القنفذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: «هو خبيث من الخبائث».
واحتج من إباحه- وهم الجمهور- بأن الحديث لم يثبت، ولا تحريم إلا بدليل. قال البيهقي في السنن الكبرى:- بعد أن ساق حديث أبي هريرة المذكور في خبث القنفذ- هذا حديث لم يرو إلا بهذا الإسناد، وهو إسناد فيه ضعف.
وممن كره أكل القنفذ. أبو حنيفة وأصحابه. قاله القرطبي وغيره.
ومن ذلك حشرات الأرض، كالفأرة، والحيات، والأفاعي، والعقارب، والخنفساء: والعظاية، والضفادع، والجرذان، والوزغ، والصراصير، والعناكب، وسام أبرص، والجعلان، وبنات وردان، والديدان، وحمار قبان، ونحو ذلك.
فجمهور العلماء على تحريم أكل هذه الأشياء لأنها مستخبثة طبعًا، والله تعالى يقول: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبائث} [الأعراف: 157].
ومن قال بذلك الشافعي وأبو حنيفة، وأحمد وابن شهاب وعروة وغيرهم- رحمهم الله تعالى-.
ورخص في أكل ذلك: مالك، واشترط في جواز أكل الحيات أن يؤمن سمها.
وممن روي عنه الترخيص في أكل الحشرات، الأوزاعي، وابن أبي ليلى، واحتجوا بما رواه أبو داود والبيهقي، من حديث ملقام بن تلب، عن أبيه تلبِّ بن ثعلبة بن ربيعة التميمي العنبري، رضي الله عنه قال: صحبت النَّبي صلى الله عليه وسلم، فلم أسمع لحشرة الأرض تحريمًا.
واحتجوا أيضًا بأن الله حرم أشياء، وأباح أشياء، فما حرم فهو حرام، وما أباح فهو مباح، وما سكت عنه فهو عفو.
وقالت عائشة، رضي الله عنها في الفأرة: ما هي بحرام، وقرأت قوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] الآية.
ويجاب عن هذا بأن ملقام بن تلبّ مستور لا يعرف حاله، وبأن قول أبيه تلبّ بن ثعلبة، رضي الله عنه، لم أسمع لحشرة الأرض تحريمًا لا يدل على عدم تحريمها، كما قاله الخطابي، والبيهقي.
لأن عدم سماع صحابي لشيء لا يقتضي انتفاءه كما هو معلوم، وبأنه تعالى لم يسكت عن هذا. لأنه حرم الخبائث، وهذه خبائث لا يكاد طبع سليم يستسيغها، فضلًا عن أن يستطيبها، والذين يأكلون مثل هذه الحشرات من العرب، إنما يدعوهم لذلك شدة الجوع، كما قال أحد شعرائهم:
أكلنا الربى يا أم عمرو ومن يكن ** غريبًا لديكم يأكل الحشرات

والربى جمع ربية، وهي الفأرة. قاله القرطبي، وفي اللسان أنها دوبية بين الفأرة وأم حبين، ولتلك الحاجة الشديدة لما سئل بعض العرب عما يأكلون. قال: كل ما دب ودرج، إلا أم حبين، فقال: لتهن أم حبين العافية.
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أباح قتل الفأرة، وما ذكر معها من الفواسق، فدل ذلك على عدم إباحتها.
واعلم أن ما ذكره بعض أهل العلم كالشافعي. من أن كل ما يستخبثه الطبع السليم من العرب الذين نزل القرآن عليهم في غير حال ضرورة الجوع حرام. لقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبائث} [الأعراف: 157] الآية.
استدلال ظاهر لا وجه لما رده به أهل الظاهر من أن ذلك أمر لا يمكن أن يناط به حكم. لأنه لا ينضبط. لأن معنى الخبث معروف عندهم، فما اتصف به فهو حرام، للآية.
ولا يقدح في ذلك النص على غباحة بعض المستخبثات، كالثوم. لأن ما أخرجه الدليل يخصص به عموم النص، ويبقى حجة يما لم يخرجه دليل، كما قدمنا.
ويدخل فيه أيضًا كل ما نص الشرع على أنه خبيث، إلا لدليل يدل على إباحته، مع إطلاق اسم الخبث عليه.
واستثنى بعض أهل العلم من حشرات الأرض الوزغ، فقد ادعى بعضهم الإجماع على تحريمه، كما ذكره ابن قدامة في المغني عن ابن عبد البر.
قال مقيده- عفا الله عنه: ويدل له حديث أم شريك المتفق عليه أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ، وكذلك روى الشيخان أيضًا من حديث سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، موصولًا عند مسلم، ومحتملًا للإرسال عند البخاري، فإن قوله: وزعم سعد بن أبي وقاص أنه أمر بقتله، محتمل لأن يكون من قول عائشة، ومحتمل لأن يكون من قول عروة، وعليهما، فالحديث متصل، ويحتمل أن يكون من قول الزهري، فيكون منقطعًا، واختاره ابن حجر في الفتح، وقال: كأن الزهري وصله لمعمر وصله لمعمر، وأرسله ليونس. اه، ومن طريق يونس رواه البخاري، ومن طريق معمر رواه مسلم، وروى مسلم في (صحيحه) من حديث أبي هريرة مرفوعًا، الترغيب في قتل الوزغ، وكل ذلك يدل على تحريمه.
واختلف العلماء أيضًا في ابن آوى: وابن عرس: فقال بعض العلماء: بتحريم أكلهما، وهو مذهب الإمام أحمد، وأبي حنيفة- رحمهما الله تعالى- قال في المغني: سئل أحمد عن ابن آوى، وابن عرس.
فقال: كل شيء ينهش بأنيابه من السباع، وبهذا قال أبو حنيفة، وأسحابه اهـ.